شخصية المرأة المسلمة في ضوء القرآن و السنة
للدكتور محمد راتب النابلسي
قال عز و جل في كتابه الكريم : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } [ النساء : 1 ]
و الصلاة و السلام على حبيبه المصطفى القائل: " النساء شقائق الرجال "
و بعد :
حفل القرآن الكريم بالحديث عن جوانب متعددة من أمور النساء ، حتى بلغت الآيات قرابة (200 ) آية ، إلى جانب إفراد سورتين للنساء هما : سورة الطلاق ، و سورة النساء .
وتلقف المسلمون الأوائل ذلك – إضافة إلى الأحاديث النبوية الكثيرة ، و التي تشرح ما جاء في القرآن ، أو تزيد – أحسن ما يكون الأخذ ، فدرسوه و طبقوه على أرض الواقع ، فعاش الرجل إلى جوار المرأة ، كل منهما يكمل الآخر و لا يعارضه ...
لكن مع تقدم الزمان ، و دخول بعض العادات و التقاليد الجاهلية ، سواء العربية منها أو الأجنبية ، و إضافة إلى ظهور المغالين و المتشددين و المتنطعين في العصر العباسي و ما بعد ، فطبق الناس فكرة سد الذرائع على النساء !!
فمن باب سد الذرائع منعوا النساء من حضور العبادات و التعلم و التعليم في بيوت الله !!
و من باب سد الذرائع أشيعت مقالات و ألصقت بالأحاديث النبوية الشريفة : مثال مسألة عدم مشاورة النساء ، أو مشاورتهن و مخالفتهن !!
كذلك أفتى البعض في أمور ، و كانت اجتهادات خاطئة ، لكن تقديس الأشخاص هو الأمر الذي ابتلين فيه – و للأسف الشديد – فكانت النتيجة سيئة جدا .
لكن هل المرأة خصم الرجل ؟ و هل المرأة كالأفعى تضل الرجل ؟ و هل المرأة لها تركيبة خاصة و معقدة ؟ و هل الواجب سجن المرأة و عدم خروجها للحياة ؟!علمنا القرآن الكريم منهج الرجوع إلى الأصل ، حيث الأصل الأول هو القرآن الكريم ، و خير شارح لهذا الأصل هو الأصل الثاني ، و هي سنة رسول الله صلوات الله عليه و سلامه
قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و رسوله } [ النساء : 59 ] .
فالمرأة شاركت الرجل في غالبية الأحداث : في الأسرة ، و في الهجرة ، و في البيعة ، و في الحروب ، و في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و في الحياة السياسية ، و في الحياة الاجتماعية ، و في رواية الأحاديث الشريفة ، و في العمل المهني ، و في الاحتفالات العامة ، و في الأمور التعبدية ، و في أمور العلم ...
و هناك نماذج رائعة في القرآن الكريم و السنة الطاهرة تجسد شخصية المرأة المسلمة ، مثالها : زوجة فرعون ، ومريم العذراء ، و ابنة شعيب ، و أم موسى ، و خولة بنت ثعلبة , وزوجة إبراهيم ، و غيرهم الكثير الكثير .
- و لعل الخوض في مثل هذا الموضوع يشبه الدخول في بحر متلاطم الأمواج , لا يسعنا أمثال هذه القضايا إلا الاعتراف بتقصيرنا و عجزنا ، مما يعزز فينا التشفع بقوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا و سعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا و اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } [ البقرة : 286 ] .
مع الرجاء من كل قارئ أن لا ينسانا من الدعاء في ظهر الغيب
الإسلام هو المنبع و العبرة و المصدر ، لا بالواقع الذي يعيشه المسلمون ، لكن بالمبادئ السامية التي جاء بها الكتاب و السنة .
تحياتي لكم