الدعاء.. رسول الأفراح
عادل عبد الله هندي
إن
من المحفوظ والمشتهر من كلام ابن القيم - خبير النفوس - وهو يصف القلق
وأسبابه وكيفية علاجه، ما قاله في مدارج السالكين: "إِنَّ في القلب شعث لا
يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه
حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، ومن قلق لا يسكنه إلا
الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره
ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا
محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له".
وقد
تحدث كثير من علماء الغرب عن أثر الدعاء ومدى أهميته. ومن المناسب أَنْ
نذكر هنا أنَّ الدعاء منه ما يكون وقائيًّا، ومنه ما يكون علاجيًّا.
فأما الدعاء الوقائي، فمنه ما ورد عن رسولنا في قوله كما رواه البخاري:
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ
الرِّجَالِ)).
ومن
الدعاء العلاجي، ما صح عن رسولنا-صلى الله عليه وسلم- في قوله: كما روى
الإمام أحمد في المسند: ((مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ
نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ،
أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ
عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ،
أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ
الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ
هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ
مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا
نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ
يَتَعَلَّمَهَا)).
وما
أجمل هذا الحديث العظيم الذي يتضمن اعتراف العبد أنه مملوك لله، وأنه لا
غنى له عنه، وليس له سيد سواه، والتزام بعبوديته وإعلان الخضوع والامتثال
لأمره ونهيه، وأن الله يصرّفه ويتحكّم فيه كيف يشاء وإذعان لحكم الله ورضا
بقضائه، وتوسل إلى الله بجميع أسمائه قاطبة، ثم سؤال المطلوب، ونشدان
المرغوب.
وفي
وحي القلم للرافعي: يقول: "ففي رجاء الله - بالدعاء واللجوء إليه -
يتسامى الإنسان فوق هذه الحياة الفانية، فتمر همومها حوله ولا تصدمه، إذ هي
في الحقيقة تجري من تحته، فكأن لا سلطان لها عليه".
فإن
رأيتِ الخيوط مقطوعة، والأبواب مغلقة وموصدة، والناس في كآبة، والخلق
تائهون، فاعلمي أن ربكِ موجود؛ فالجئي إليه واسأليه بإخلاص قلب ودعاء أن
ييسر أمركِ ويفرج كربكِ.
فرَّج الله عنا وعنكِ