حج مأزور
عبد العظيم بدر الدين عرنوس
قال
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فيما ذكره عنه حجة الإسلام أبو حامد
الغزالي: في آخر الزمان يكثر الحاج بدون سبب، يهون عليهم السفر، ويبسط لهم
في الرزق، ويرجعون محرومين مسلوبين، يهوي بأحدهم بعيره بين الرمال
والقفار، وجاره مأسور إلى جانبه لا يواسيه.
ما
إن تهب نسمات أشهر الحج حتى تهوي أفئدة الناس لأداء هذه الشعيرة العظيمة،
غير مبالين بمشاق السفر، ومفارقة الأهل والوطن، وغير مكترثين بالمال
الوفير الذي ينفقونه في سبيل تلبية أذان الحج؛ لكن الملفت للنظر حقا أن
كثيرا ممن أدى فريضة الحج يحرصون على الذهاب للحج في كل سنة مدركين أو
غافلين عما هو أوجب أو أفضل من أداء الحج التطوعي.
والمطلوب من علماء الأمة الربانيين المدركين لفقه الواقع وواجب الوقت
إيضاح فقه الأولويات، وبث ثقافة أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة
وإرشاد الناس ودلالتهم على الطرق الأعظم أجرا، والأكثر نفعا، والسبل
المؤدية للنهوض بالأمة، وبذل أموالها ومقدراتها لما فيه رفعة شأنها، وعلو
كعبها لتلحق بركب الحضارة وتستدرك ما فاتها..وتبيان هذه الأمور من أوجب
الواجبات، ومن الميثاق المأخوذ عليهم خصوصا أن أموالا طائلة تنفق للحج
التطوعي..في الوقت الذي تستباح فيه عقيدة الأمة في بلاد الشام، وأصبحت حال
المسلين في خطر داهم.. الأمر الذي يستدعي من الأمة كلها الوقوف بكل
إمكانياتها صفا واحدا لحماية العقيدة والذمار والديار، وتخفيف معاناة الناس
والمسح على جراحاتهم وآلامهم، وإعادة البسمة إلى شفاههم.. يقول سيد قطب -
رحمه الله -: " بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح
الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضى، الثقة أو
الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين".
- علو كعب الجهاد وتقدمه عند تعينه:
إذا
تعين الجهاد على المسلم القادر وذلك عندما يجتاح العدو بلاد المسلمين أو
إذا كلفه الإمام به لخبرته وكفاءته عندها يصير الجهاد في أعلى المراتب،
وعندما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أمر الصحابة بالإفطار،
وشدد النكير على بقي صائماً ووصفهم بأنهم عصاة: ((أولئك العصاة)) وهذا يدل
على أن الجهاد يوجب ترك فريضة الصوم إذا أدت لتضييع الجهاد المتعين أو
إضعاف المجاهدين لأن فريضة وواجب الوقت هو المقدم على غيره.. وقد ورد سؤال
للشبكة الإسلامية رقمه: 77435 وهذا نصه:
السؤال:
هل يجوز الحج أو العمرة على من تعين عليهم الجهاد في بعض أراضي المسلمين وما الدليل؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن
تعين عليه الجهاد فإن عليه تقديمه على الحج المفروض، وقد فصل ذلك العلامة
الحطاب المالكي في مواهب الجليل فقال: وهذا كله فيما إذا لم يجب الجهاد
على الأعيان بأن يفجأ العدو مدينة قوم، فإن وجب فلا شك في تقديمه كما
سيأتي في كلام ابن رشد في الأجوبة ونصه:.... وأما في المكان الذي يتعين
فيه -الجهاد- على الأعيان فهو أفضل من حج الفريضة قولاً واحداً.... بل
يتعين حينئذ الجهاد وترك الحج ارتكاباً لأخف الضررين، فلا يجوز له الخروج.
انتهى.
أقول: وهذا الحكم في حج الفريضة، لا في حج التطوع.
وفي فتاوى ابن باز - رحمه الله -:
س:
أيهما أولى للمسلم الذي قد أدى ما فرضه الله عليه من الحج هل الأولى
تأديته نفلا أي للمرة الثانية؟ أم التبرع بقيمة تكاليف الحج للمجاهدين كي
يستطيع أولئك الصمود أمام أعداء الله؟
ج:
من حج الفريضة فالأفضل أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمجاهدين في سبيل
الله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل أي العمل أفضل؟ قال: ((
إيمان بالله ورسوله، قال السائل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال
السائل: ثم أي؟ قال: حج مبرور)) متفق على صحته.
فجعل الحج بعد الجهاد والمراد به حج النافلة؛ لأن الحج المفروض ركن من أركان الإسلام مع الاستطاعة.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)).
ولا
شك أن المجاهدين في سبيل الله في أشد الحاجة إلى المساعدة المادية من
إخوانهم، والنفقة فيهم أفضل من النفقة في حج التطوع؛ للحديثين المذكورين
وغيرهما.
-
أما علامة العصر المجاهد شيخ الثورات وفقيهها يوسف القرضاوي.. ففي خطبة
الجمعة بتاريخ 21/9/2012 ناشد المتطوعين بالحج بتوجه أموالهم لدعم الشعب
السوري الباسل فقال: حرام عليكم ايها العرب والمسلمون أن تتخلوا عن الشعب
السوري البطل فمتى استعبد هذا الشعب وهو حر، هدمت البلد فلا بد أن نكون مع
هذا الشعب.. أدعوكم أيها الأحرار أن تكونوا مع هذا الشعب، وهناك أناس
يذهبون إلى الحج متطوعين للمرة السابعة أو الثامنة أو العشرين، لماذا هذا؟!
فمن الأجدر التبرع بقيمة حجك التطوعي للشعب السوري الذي يحتاج إلى كل
قرش.
-
وقال الشيخ مجد مكي المشرف على موقع رابطة علماء المسلمين السوريين: فإنه
لا يخفى على أحد ما يعانيه إخواننا في سورية من إزهاق للأرواح وانتهاك
للأعراض، وهدم للبيوت والممتلكات، وقد طالت عليهم المحنة، وصار لديهم
عشرات ألوف الجرحى وملايين اللاجئين والمهجرين من ديارهم، وإزاء هذه
الوضعية الصعبة فقد صار لزاماً على عموم المسلمين أن يمدوا إليهم يد
المعونة، وأن يقفوا إلى جانبهم بما يستطيعون، حتى يتمكنوا من الدفاع عن
أنفسهم وأعراضهم، وبهذه المناسبة فإنا ندعو جميع المسلمين الذين عزموا على
حج النفل أن يتبرعوا لإخوانهم في سورية بتكاليف حجهم، فهذا أعظم أجراً
لهم، فإنه لا يخفى على أحد ما يعانيه إخواننا في سورية من إزهاق للأرواح
وانتهاك للأعراض، وهدم للبيوت والممتلكات، وقد طالت عليهم المحنة، وصار
لديهم عشرات ألوف الجرحى وملايين اللاجئين والمهجرين من ديارهم، وإزاء هذه
الوضعية الصعبة فقد صار لزاماً على عموم المسلمين أن يمدوا إليهم يد
المعونة، وأن يقفوا إلى جانبهم بما يستطيعون، حتى يتمكنوا من الدفاع عن
أنفسهم وأعراضهم، وبهذه المناسبة فإنا ندعو جميع المسلمين الذين عزموا على
حج النفل أن يتبرعوا لإخوانهم في سورية بتكاليف حجهم، فهذا أعظم أجراً
لهم، فإنه لا يخفى على أحد ما يعانيه إخواننا في سورية من إزهاق للأرواح
وانتهاك للأعراض، وهدم للبيوت والممتلكات، وقد طالت عليهم المحنة، وصار
لديهم عشرات ألوف الجرحى وملايين اللاجئين والمهجرين من ديارهم، وإزاء هذه
الوضعية الصعبة فقد صار لزاماً على عموم المسلمين أن يمدوا إليهم يد
المعونة، وأن يقفوا إلى جانبهم بما يستطيعون، حتى يتمكنوا من الدفاع عن
أنفسهم وأعراضهم، وبهذه المناسبة فإنا ندعو جميع المسلمين الذين عزموا على
حج النفل أن يتبرعوا لإخوانهم في سورية بتكاليف حجهم، فهذا أعظم أجراً
لهم، فإنه لا يخفى على أحد ما يعانيه إخواننا في سورية من إزهاق للأرواح
وانتهاك للأعراض، وهدم للبيوت والممتلكات، وقد طالت عليهم المحنة، وصار
لديهم عشرات ألوف الجرحى وملايين اللاجئين والمهجرين من ديارهم، وإزاء هذه
الوضعية الصعبة فقد صار لزاماً على عموم المسلمين أن يمدوا إليهم يد
المعونة، وأن يقفوا إلى جانبهم بما يستطيعون، حتى يتمكنوا من الدفاع عن
أنفسهم وأعراضهم، وبهذه المناسبة فإنا ندعو جميع المسلمين الذين عزموا على
حج النفل أن يتبرعوا لإخوانهم في سورية بتكاليف حجهم، فهذا أعظم أجراً
لهم.
- حجاج التطوع في نظر حجة الإسلام الغزالي:
وأبو حامد الغزالي وهو من العلماء الربانيين، والذي كان له باع كبير في
تأسيس الجيل الذي أدى إلى ظهور صلاح الدين الأيوبي محرر المسجد الأقصى
وبلاد الشام من رجس الصليبيين استشعر بحسه الإيماني مدة خطورة إنفاق المال
في تكرار الحج، في الوقت الذي يحتاج كثير من أفراد الأمة المنكوبين
المحرومين لهذا المال فجعلهم من أصناف المغترين.. ففي إحياء علوم الدين
يذكر فئات من الناس تحسب أنها تحسن صنعا قال: وقال أبو نصر التمار: إن
رجلاً جاء يودع بشر بن الحرث وقال قد عزمت على الحج فتأمرني بشيء، فقال له:
كم أعددت للنفقة؟ فقال: ألفى درهم، قال بشر فأي شيء تبتغى بحجك تزهداً أو
اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضات الله؟ قال: ابتغاء مرضات الله، قال:
فإن أصبت مرضاة الله - تعالى -وأنت في بيتك وتنفق ألفى درهم وتكون على
يقين من مرضات الله - تعالى -أتفعل ذلك، قال: نعم، قال: اذهب فأعطها عشرة
أنفس مديون يقضى دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يغنى عياله، ومربى يتيم
يفرحه، وإن قوى قلبك تعطها واحداً فافعل، فإن إدخالك السرور على قلب
المسلم، وإغاثة اللهفان، وكشف الضر، وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد
حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرناك، وإلا فقل لنا ما في قلبك، فقال يا
أبا نصر سفري أقوى في قلبي، فتبسم بشر - رحمه الله - وأقبل عليه وقال له:
المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضى به وطراً
فأظهرت الأعمال الصالحات وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل
المتقين."
وقال الحسن - رحمه الله -: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك حجة بعد حجة.
ألا
وإن الجهاد عند تعينه مقدم على حج الفريضة لما قدمنا.. روى أحمد في مسنده
عن الصحابي ماعز البكائي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: (( إيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة
برة تفضل سائر العمل كما بين مطلع الشمس إلى مغربها)).
ونحتم
بهذه الحكمة البديعة عن أحد العارفين:سير القلوب أبلغ من سير الأبدان، كم
من واصل ببدنه إلى البيت وقلبه منقطع عن رب البيت، وكم من قاعد على فراشه
في بيته وقلبه متصل بالمحل الأعلى.